05 يناير

حصاد العام التجارى لمصر لعام 2015

 

شهد عام 2015 طفرة غير مسبوقة فى عدد القرارات الاقتصادية المنظمة لعمليات التجارة الخارجية فى جمهورية مصر العربية من جميع الاطراف التى تتحكم فى تنظيم عمليات التجارة الخارجية المصرية واعلنت الجهات الحكومية مدعومة بالألة الاعلامية الرسمية الحرب على الأستيراد والمستوردين حتى توسعت بعض الأدوات الاعلامية الى تخوين المستوردين ودفع بعض المسئولين فى البنك المركزى المصرى اتهام المستهلكين داخل السوق المصرى بالأسراف فى الانفاق على السلع الترفيهية ، وفى واقع الامر لم نجد مبررا لهجوم الجهات الرسمية فى الدولة على الأستيراد الا لسببين قويين وهو قلة الاحتياطى النقدى الدولارى من النقد الاجنبى نتيجة لتراجع الأستثمار الاجنبى المباشر وكذلك وجود جماعات ضغط من رجال الصناعة ظهرت قوتها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ارادت ان تستغل تواجدها فى فتح افاق جديدة لها داخل السوق المصرى ويمثل ذلك التجمع ( اتحاد الصناعات المصرى ) ولكن قبل الخوض فى مزيد من التحليلات لابد فى ان نوضح للقارئ خريطة الاستيراد المصرى الحقيقية .

خريطة الأستيراد المصرى :

يمكن للقارئ العزيز ان يتفاجئ حين يعلم ان نسبة 80%  من الأستيراد المصرى هو استيراد مواد خام وماكينات للتصنيع وليس سلع نهائية فمصر دولة انتاجية فى المقام الاول وليست دولة استهلاكية كما يروج بعض المسئولين الحكوميين فيأتى البترول على قائمة الاستيراد بنسبة تتجاوز 11% من حجم الاستيراد يليها الماكينات ويليها قطع غيار السيارات ويليها الاخشاب وليس الاثاث ويليها قطع غيار للصناعات الكهربائية  والادوية  ويليها مواد خام وسلع وسيطة للصناعات المعدنية ، فالحقيقة ان مصر بلد منتج وليس مستهلك اذ لايتعد الاستيراد للسلع بقصد الاستهلاك حاجز 15 مليار دولار سنويا اى ان نصيب المواطن المصرى من الاستيراد الاستهلاكى هو 150 دولار سنويا وهى نسبة ضئيلة للغاية ، ويمكن الرجوع للتحقق من الارقام من وزارة التجارة والصناعة , الخلاصة انه اذا كانت تلك القرارات تهدف الى القضاء على الاستيراد الاستهلاكى بدعوى حماية الاقتصاد فالواضح بلغة الارقام ان الاستيراد الاستهلاكى ليس المعضلة ولكن المعضلة كيفية تحول المنتج المحلى الذى يستهلك اكثر من 70 مليار دولار من العملة الاجنبية الى التصدير كى نستطيع تعويض العملة الاجنبية مرة اخرى الى البلد بالزيادة المتوقعة نتيجة تصدير المنتج بقيمة مضافة ولهذا كان يجب ان توجه الدولة قوتها فى دعم الصادرات

     قرارات 2015 التجارية :

تنوعت الجهات المصدرة للقرارات التجارية ولكن يمكن ان نقول ان هناك حلف حكومى قوى مكون من البنك المركزى واتحاد الصناعات المصرى ومصلحة الجمارك ووزارة التجارة والصناعة (فترة طارق قابيل )  والواضح لنا ان الذى يقود ذلك الحلف هو البنك المركزى متمثلا فى رئيسه السابق السيد \ هشام رامز .

قرارات البنك المركزى :

تتلخص قرارات البنك المركزى فى مصر فى محاربة الاستيراد عن طريق تحجيم تداول العملة الاجنبية فتركزت قررات رامز فى اتباع سياسات من شأنها رفع سعر الصرف فى السوق السوداء المورد الاكبر للدولار للمستوردين وايضا اتخاذ قرارات مثل منع تمويل عمليات الاستيراد لغير السلع الاساسية مما دفع الدولار ان يرتفع فى السوق السوداء متخطيا السعر الرسمى بفارق جنيه (1) ظنا من البنك المركزى ان ارتفاع سعر الدولار سيجعل المستوردون يحجمون عن الاستيراد ، فى الوقت ذاته اصدر البنك المركزى اجرأ قراراته بتحديد سقف الايداع النقدى الدولارى بعشرة الاف دولار يوميا وحد اقصى خمسين الف دولار شهريا ولم يستثنى من ذلك غير السلع الاساسية (الادوية – السلع التموينية – البترول ) وهو ما ادى الى حدوث ازمة لدى المصانع المحلية التى تعطلت خطوط انتاجها لقلة المواد الخام وهو ما انعكس على على كمية المعروض فى السوق المحلى فارتفع التضخم فى الاسعار وتم توقف اكثر من 3000 مصنع وفق تصريحات رئيس الوزراء السابق ابراهيم محلب لجريدة الاهرام المصرية ، بعد غليان الشارع من الاسعار وتذمر المستوردين وتهديدهم برفع الاسعار فى حالة عدم تراجع الدولة عن قرارات البنك المركزى مما دفع السيد\ هشام رامز الى تقديم استقالته او طلب عدم تجديد مدته فى رئاسة البنك المركزى وانتقلنا الى مرحلة رئيس البنك المركزى الحالى السيد\ طارق عامر ، الذى بادر بضخ اموال لتصريف البضائع المتراكمة فى الموانئ المصرية ويعتبر اجمالى ما ضخه عامر خلال خمسة اشهر 14 مليار دولار ويعتبر اهم تعديل للمحافظ الجديد هو استثناء السلع الوسيطة ومواد الخام من قرارات المركزى مما ادى الى عودة خطوط الانتاج العمل وقام عامر بالغاء الحدود القصوى للايداع للسلع الاساسية والوسيطة مع اشتراطه ان يقوم كل مستورد بوضع كامل قيمة الاعتماد المستندى فى حالة فتح اعتماد مستندى مما ادى الى جفاف السيولة النقدية لدى الكثير من المصانع ، ويعتبر اخر قرارات عامر بتعويم الجنيه المصرى وهو القرار الذى وصفته الجهات الاقتصادية المختلفة بالصحيح اقتصاديا وبالخطر اجتماعيا .

  قرارات وزارة التجارة والصناعة :

فى حقبة الوزير السابق منير فخرى عبد النور تركز دور وزارة التجارة والصناعة التى لم تكن فى تفاهم مع هشام رامز وقتها ان تقلل الاستيراد من الصين التى تستحوذ على 15% من اجمالى حجم الواردات المصرية ، فقامت وزارة التجارة والصناعة بعمل تعديل فى شهادة الجودة سى.اى.كيو وهى شهادة جودة تم توقيع بوتوكول بين الجانبين المصرى والصينى عليها وينص الاتفاق على ان اى بضاعة واردة من الصين يجب ان تلتزم بتقديم تلك الشهادة طالما توفر فيها شرطين اولهما ان تكون البضاعة منشأ صينى والثانى  تصديرها من ميناء صينى وهنا ثغره استفاد منها التجار وقاموا بشحن البضائع من موانئ هونج كونج ودبى مما دفع وزير التجارة الى الغاء القرار ، ولكن مالبث ان ظهر لنا قرار جديد انه يجب ان تكون البضاعة القادمة مطابقة للمواصفة المصرية وتم الغاء القرار لانه اكتشفنا انه لاتوجد مواصفة مصرية لكل الاصناف ، حتى رحل المهندس منير فخرى عبد النور لتبدا حقبة جديدة للسيد المهندس\طارق قابيل وهنا صدر اقوى القرارات بضرورة تسجيل جميع المصانع من كل الدول التى ترغب فى دخول السوق المصرى وتم تأجيل القرار وتم تعديله ليشمل سلع بعينها وحسب المعلومات بعد تطبيق القرار لم يتم تسجيل سوى 100 مصنعا حتى اللحظة وهو ما ادى الى رغبة عدد من الدول بتطبيق مبدا المعاملة بالمثل مع مصر للشركات المصرية المصدره  وهو ما فعلته احد الدول الخليجية بالفعل.

 قرارات مصلحة الجمارك المصرية :

تركزت قرارات مصلحة الجمارك المصرية فى رفع قيمة البضائع مما يجعلها  تفرض قيمة جمركية اكبر مستخدمة فى ذلك ما بات يسمى بالسلع الاسترشادية وهو ما يعد مخالفا للقوانين الدولية والدستور المصرى وهو ما اصاب جمهور المستوردين بالغضب يعتبر اخر قرارات الجمارك برفع الضريبة الجمركية على عدد كبير من السلع وكذلك وقف التعديل الداخلى للبضائع فى الموانئ  المصرية .

قرارات المخابرات الحربية :

اتخذت المخابرات الحربية اعنف قرار فى عام 2015 وهو ضرورة خضوع المواد الخام فى الصور السائلة الى فحص مصلحة الكيمياء مما جعل الاف الحاويات تنتظر فى الموانئ وذلك لان مصلحة الكمياء لا تستطيع مطلقا فحص ذلك العدد مما ادى الى وقف خطوط الانتاج ولكن تدارك الجميع الامر وتم حل الامر سريعا

..............................

ولكن يدور السؤال ما هى المحصلة النهائية لتلك القرارات ؟ هل تلك القرارات بالفعل اثرت ايجابا على مناخ التجارة فى مصر ؟ هل استطاعت مصر توفير النقد الاجنبى ؟

يمكننا الرد من خلال احدث تقرير لوزارة التجارة والصناعة عن تقييم حركة التجارة المصرية والتى تعتبر اقل من الارقام الحقيقية 20% حتى سبتمبر 2015   من خلال الاتى :

1- انخفاض الصادرات المصرية 20% بفقدان 4 مليار دولار عن العام السابق واكبر انخفاض فى السلع الكميائية والمعدنية والبترولية  

2- انخفاض الواردات الصرية بنسبة 1% ويعتبر اكبر انخفاض فى المواد الخام الكيماوية والمعدنية فى حين ارتفعت جميع البنود الاستهلاكية  التى كان تستهدفها كل القرارات السابقة حيث سجل الملابس نمو (13) %

3- بالرجوع لبعض المصادر العالمية اتضح ان الكميات التى تستوردها مصر قلت مع ثبات بل ارتفاع تكلفة الواردات بمعنى اننا استوردنا كمية اقل بنفس المبالغ التى دفعناها العام السابق وهذا يرجع الى ارتفاع تكلفة الفساد التجارى فارتفعت عملات تحويل الاموال للخارج بعيدا عن البنك الى 9% وهى نسبة لن تجد مثيلاتها

 

يمكن للقارئ من التحليل السابق معرفة هل السياسات التى اتبعتها الحكومة المصرية ناجحة ام فاشلة .